لم يكن «آرثر» والذي يتحرك بخفة في قدميه، ويضع الألوان الصارخة كمهرج على وجهه سوى ذلك الرجل المريض بمرض عقلي والذي يجعل منه شخصية مضطربة تضحك بشدة حينما تحزن، وتبكي بشدة حينما تفرح، إلا أن مثل هذه الأعراض التي اوقعت شخصية «آثر/الجوكر» في إشكاليات اجتماعية مؤلمة مع الناس، لم تكن هي المحور الذي يحرك هذا الفيلم الأمريكي الذي اخرجه بعناية فائقة تود فيليبس والذي يؤدي شخصية الجوكر بإبداع كبير ومختلف عن السائد الممثل «خواكين فينيكس» والذي استطاع أن يقنع المشاهد بتغير مسار شخصية «الجوكر» والتي عرفت على مر الازمنة بأنها الشخصية الشريرة فيكسب هنا تعاطف الجمهور معه.

ف» آرثر « أو الجوكر يبدو بأنه ضحية لتعالي الطبقة الثرية على الطبقة المعدمة في المجتمع الأمريكي، ففي الوقت الذي يعيش مع امه المريضة التي يكتشف في نهاية الفيلم أنها لطالما عانت من والده «الرجل المسؤول والغني» والذي تربطه في الماضي بها علاقة نتج عنها ولادة «آرثر» المضطرب عقليا لكنه يتخلى عن الاعتراف بهذا الابن لينشأ في حياة مأساوية لاتجد امه فيها ثمن الدواء، في حين يعاني «آرثر» من شعوره بالفشل إزاء تحقيق حلمه بأن يدخل عالم الشهرة من باب الفن الكوميدي الذي يبدع فيه، وأمام قسوة وتحقير المجتمع له وللمعدمين تقع هذه الشخصية المضطربة في قاع الجحيم لمعاناة نفسية بين تلك النظرة المأساوية لتطلعات الناس في « امريكيا « لاسيما المعدمين والذين لا تسمع رغباتهم واصواتهم حتى يدخل « آرثر « عالم الفوضى والجريمة ويرتكب جرائم عدة لفرط شعوره بالمظلومية، لكنه يتمرد على ذلك الظلم حينما يقرر أن يرتدي وجه المهرج ويخرج في برنامج امريكي شهير ثم يعترف أمام الملايين بأنه قاتل ضحايا القطار فيقتل المذيع الشهير الذي لطالما احبه وكأنها رمزية تحمل التمرد على الإعلام الذي لا ينصفهم أيضا ويسخر من تطلعاتهم، فيتم القبض عليه لتنتفض مدينة « غوثام « الأمريكية التي تجعل من الجوكر رمز للتمرد على الظلم الذي تعاني منه الطبقة المعدمة في المجتمع.

الفيلم اثار دهشة واعجاب وربما امتعاض العديد من الناس على اختلافهم، ومازال حتى اليوم يشكل الأكثر جدلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن «الجوكر» وبرغم مشاهد العنف التي يحملها بين مشاهده يبقى الرمزية التي يحملها المعدمين في المجتمعات والتي تبقيهم دوما بمطالبهم، مهرجين أمام الطبقة الثرية والتي تنعتهم دوما بالتخريب فلا تسمع اصواتهم حتى وكأن هذا الفيلم هو صوت يرفع لافتة «لا» أمام كل من ينتهك حقوق الضعفاء والفقراء ويضعهم في المرتبة الاخيرة من اهتمامات الأوطان، وربما لذلك تحول فيلم «الجوكر» إلى رمز لكل من يريد أن يقول «لا» ما اثار مخاوف المجتمع الأميركي.

آرثر الرجل المريض العقلي الذي يدخل عالم الفوضى والجريمة