هل من علاقة بين الفلسفة والسينما؟ وما شكل هذه العلاقة؟ وما أهمية السينما في طرح موضوعات ذات أبعاد فلسفية؟
هذه مجموعة من الأسئلة التي دائما ما يتم طرحها بين أوساط متابعي السينما، ويأتي ذلك بعد أن تمظهرت بشكل جليٍّ علاقة الفلسفة مع بقية الفنون الإبداعية مثل الرواية والشعر والرسم والنحت، ربما لأنها سبقت الفن السينمائي في الظهور، فكان من المنطقي أن تتبلور العلاقة بين الفلسفة والسينما بعد أن يأخذ الزمن حيزه الكافي.
وبما أن الفن السينمائي يعتبر حديثا بالقياس إلى غيره من الفنون، فإن العلاقة مع الفلسفة سيكون مسارها مختلفا، ولكن شكل هذه العلاقة من الناحية الزمنية التاريخية لا يعكس ديناميتها، بناء على سعة المساحة الدلالية التي يتيحها الفن السينمائي لإنتاج خطاب جمالي صوري يحمل بين مفرداته خطابا فلسفيا، فالعناصر الفنية التي يدونها الشريط السينمائي عبر بنيته الصورية، تنفتح دلالاتها إلى خارج حدود مفاهيمها الواقعية، وفقا لما يشتغل عليه المخرج من رؤية.
وفي ما يتعلق بالدراسات التي تتقصى هذه العلاقة فيكاد معظم الدارسين يجمعون على أنها ما زالت حديثة، وقد برزت في الإطار الأكاديمي على أثر ما حصل من تغيرات في رؤية الفن السينمائي خاصة لدى الواقعية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثاني والموجة الجديدة الفرنسية في مطلع ستينات القرن الماضي، وكان لهاتين التجربتين المهمتين في تاريخ الفن السينمائي الأثر الكبير في أن يحصل تحول جوهري في القراءة النقدية للشريط السينمائي، خاصة في إطار البحوث والدراسات الأكاديمية ضمن إطار الجامعات، وهذا الاهتمام بالتالي أعاد صياغة العلاقة ما بين الفلسفة والفيلم ووضعها في متن القراءات النقدية الفلسفية التي تحاول تفكيك مستويات البنية البصرية.
أيضا من المهم الإشارة إلى أن الفلسفة التي تعبر عنها المقولات الفلمية لا تنحصر عبر الحوار الملفوظ فقط، وهو الأقل أهمية في السينما، إنما عبر العناصر الأساسية للفن السينمائي وفي مقدمتها الصورة، وما تختزنه من مفردات تبدأ بالمكان والممثل والإكسسورات وتنتهي بعنصر الإضاءة التي تعد العمود الفقري الذي تتشكل منه الصورة السينمائية.
وليس هذا فحسب فإن تأثير الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية الجديدة يتعدى إلى جنوح مخرجيها لكسر القواعد الكلاسيكية في السرد السينمائي من حيث بنية النص وذلك بالخروج عن الضوابط والمرجعيات التي توالى على تنظيمها نمط الإنتاج الأميركي وفق آليات ثابتة. وهذا أدى إلى إيجاد علائق جديدة ما بين السرد والزمن، ولم تعد تلك العلاقة قائمة على بنية أفقية، إنما تشكلت صور جديدة فتَّتَت نمطيتها، وأحالتها إلى بنية تتخذ أشكالا مختلفة حسب رؤية المخرج في سرد الأحداث، ومجموع هذه البنيات الجديدة تصب في إطار تعميق حضور الخطاب الفلسفي في البناء الفيلمي.
ومن هنا باتت الدراسات النقدية التي تبحث في العلاقة ما بين السينما والفلسفة في ضوء هذه التحولات البنيوية التي شهدها الفيلم السينمائي تشهد نموا غير مسبوق ابتداءً من ستينات القرن الماضي.
التعليقات