«أراد أن يعميَها ففقأَها»، ذلك هو المثل الذي سككتُه وأنا أشاهد مقاطع الأنبياء في السينما أو الدراما الإيرانية، التي تزلق بالمشاهِد على رغم تفوقها الإخراجيّ إلى قعر جُبّ لا قرار له.

أظهرت السينما الإيرانية شخصية نبيّ الله يعقوب عليه السلام في مسلسل بعنوان: «يوسف پيامبر»، الذي أخرجه فرج الله سلحشور، وأدّى دوره فيه الممثل محمود باك نيت، وليس الحديث دائراً حول حكم تجسيد شخصيات الأنبياء سينمائياً، فهذا مبحث آخر، لكن ما تعتني به هذه المقالة هو أن المسلسل الإيراني قدّم إلى مشاهديه شخصية نبي الله يعقوب عليه السلام، وكأنه شخص ساذج، ضعيف القلب، قابلٌ لأن يُخدَع عن نفسه، ولأن تطوّح به عاطفته في رياح الحوادث وصروف الأيام كيفما هبّت أو تقلّبَت.

وهذا التصوّر ليس بالخاطئ فحسب، بل هو في نفسه انتقاص من الأنبياء، ومهما أراد من أظهره إبرازهم في صورة الرحمة والأبوّة والعطف والحنان فإنه أتى الأمر من غير بابه، إذ ينبغي لنا أن نركز في شأن الأنبياء على أصل عظيم، وهو عصمة الأنبياء، وأنهم أكمل الخلق، في علومهم وعقولهم وفهومهم، وفي نفوسهم.

ويعقوب عليه الصلاة والسلام لم يكُن ساذجاً ولا غائب الفطنة، ولم يكن متهالكاً فاقد التماسك والثبات كما خيّلته إلينا الشاشة الإيرانيّة، وحاشاه، بل كان عليه السلام كما وصفه الله تعالى حسَن الظنّ بالله، وكان مع فطنته وعقله وعمق فهمه متصفاً بالعفو، والرفق بأبنائه، والإغضاء عنهم فيما يبدر منهم، لا يتجاوز معهم حد النصح والعتاب والإلماح اللطيف، والوعظ البليغ، وهو بذلك لا يريد أن يفوته أجر الصبر والعفو، وكل ما جاء في القرآن عنه دليل على ذلك.

ولا ننسى أن يوسف عليه السلام، ذلك النبيّ الفتى الجميل الفطن الذكيّ، إنما نشأ وترعرع أولَ الأمر في كنفِ أبيه يعقوب، وأنّ ذلك الشبل، إن صحّ مثل هذا التعبير في مقام النبوّة، هو من معدن ذلك الأسد، ولكنّ وقوف الابن في مقام الولاية والملك حافظاً مدبّراً يختلف عن وقوف الأب في مقام البلاء صابراً محتسباً.

ومن هنا يقرر علماء الإسلام أن من كان عبداً رسولًا، فهو أكمل وأتم في كل أحواله ممن كان نبياً ملِكاً، ومن هُنا كان يعقوب في حال البلاء أكمل وأتم حالاً من ابنه النبي المعصوم يوسف عليه السلام، وإن كان الله قد علّمه تأويل الأحاديث وإدارة خزائن الأرض.

ذلك أن إدارة يعقوب عليه السلام لنفسه في فجيعته بابنه النبيّ، أشد بأساً وإصراً من إدارة يوسف عليه السلام لمصر في أزمتها الاقتصادية، وأدنى ما يقرّب ذلك أن ندرك أن بلاء الأنبياء على قدر درجاتهم، على أصل أن البلاء تكون شدّته على الأمثل فالأمثل، فلا شك أن أعلاهم درجة هو أعظمهم بلاء.

ثم يُدني الأمر بعد ذلك أن يقارن المتأمل بين وضع الإنسان في حال الثكل أو الحزن ووضعه في حال الإغراء أو القلق، ولا شك أن إدارة النفس والسيطرة عليها في حال الثكل أو الحزن أصعب من إدارتها في حال الإغراء أو القلق.

لقد كان يعقوب عليه السلام كاملاً في حنانه الأبويّ، كمالاً أعلى ممن دونه من البشر، ولو أراد أحد منهم أن يحب ابنه فوق محبة يعقوب ليوسف عليه السلام ما استطاع، ولكنه كان كذلك أشد كمالاً في صبره واحتسابه وعفوه وصفحه، وما ذلك إلا من كمال عقله وسموّ نفسه، بل إن الله سبحانه وتعالى لو ابتلاه كما ابتلى أباه إبراهيم عليه السلام بأن يذبح ابنه الذي له به هذا التعلق لَمَا تأخر، كيف لا وهو القائل لبنيه عندما حضره الموت: (ما تعبدون من بعدي)؟ قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون).

فلا نبيُّ الله يعقوب كان ضعيف النفس ولا ساذجاً، حاشَ لله، ولا هو كان قاصر النظرة ولا قابلاً للتلقين، وما حال الدراما والسينما الإيرانية معه إلا كما قال الله تعالى في نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (ومنهم الذين يؤذون النبيّ ويقولون هو أذُن قلْ أذن خيرٍ لكم يؤمن لله ويؤمن للمؤمنين ورحمةٌ للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم).

عدد من نجوم المسلسل في مجلس المرشد
المخرج سلحشور مع المرشد خامنئي