تقود المملكة حراكاً استباقياً في المنطقة، يهدف لتوحيد الرؤى الإقليمية وتقديم مصالح دول المنطقة على أي أجندة إقليمية مضادة، كما يأتي الحراك في إطار ضبط تداعيات الحرب في أوكرانيا والتي أثارت موجةً هائلةً من التأثيرات السلبية على الاستقرار العالمي، وخلقت تداعياتٍ اقتصاديةً وسياسيةً خطيرةً، تمثلت في وقوع العالم في براثن حالة من الركود والتضخم، كما وأدّت إلى أزمة غذاء كبرى تهدد مئات الملايين بالجوع.
في سياق هذا الحراك جاءت جولة ولي العهد المهمة والتي شملت مصر والأردن وتركيا، وكذلك زيارة رئيس الوزراء العراقي وقائد الجيش الباكستاني للمملكة، وشكل مجمل هذه المباحثات، توجه المملكة لإعادة صياغة العلاقات الإقليمية، وترتيب أولويات المنطقة، وإعلاء المصالح المشروعة لدولها، في ظل حالة سيولة دولية بالغة الغموض، ويتعذر التكهن بمساراتها، وفي أجواء استقطاب سياسي حاد، وحالة اصطفاف، أحيتها الأزمة الأوكرانية، ولا يسع دولة النجاة من مفاعيلها، إلا باجتراح سياسة واقعية، ورؤية جديدة للمنطقة والعالم.
هذا الحراك السابق لزيارة الرئيس الأميركي المزمعة للمملكة ومشاركته في قمة عربية - أميركية موسعة، يبعث رسائل عميقة لأكثر من عنوان، فعلى الصعيد الإقليمي، تؤكد المملكة أن العبث الإيراني لن يبقى بلا رادع، وأن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة عنوانها وقف التدخلات في شؤون الدول، ومواجهة الميليشيات المسلحة، ورسالة أخرى للولايات المتحدة، لإعادة النظر في قراءتها الخاطئة للعلاقات مع المملكة، والعمل على إعادة صياغة العلاقة التاريخية على أسس استراتيجية طويلة المدى، وأبعد من مسألة ضبط أسعار النفط فحسب، فما أصاب العلاقة يستوجب مقاربةً جديدةً للدور السعودي المحوري في المنطقة والعالم برمته، ونسج علاقات أكثر موثوقية، وبمنأى عن التحولات الحزبية، والمساومات السياسية.
وثالث الرسائل موجهة للمجتمع الدولي، أن المملكة ثابتة على مبادئها ومحددات سياستها الخارجية، ولن تساوم حول مصالحها وحقوقها، وعلى من يحاول فرض أجندته، أو العبث بمصالحها أن يقرأ التحولات الإقليمية والدولية، وفي التاريخ قريبه وبعيده، ما يزيل الغشاوة عن العيون.
التعليقات