الأزمات التي تعاني منها الشعوب العربية، والمعوقات التي تقف حجر عثرة في نهضتها وتطورها، تحتاج إلى معالجة فكرية عميقة تغوص في غور الإشكاليات والخلل البنيوي الذي طالها، وكذلك إلى مقاربة واعية تضع يدها على الجرح وتدمله.

وهذا الدور الجسيم لا ينهض به سوى الفكر؛ فهو بما يكتنزه من مُحرّكات وعي ونجاعة رؤية، يستطيع أن يستبطن الخلل والداء، ويملك القدرة على تصحيح المسار وتكوين الرأي الناضج والرؤى الملهمة القادرة على إحداث إصلاح جوهري يستأصل الداء. ويستنهض الفكر الرصين من خلال المعالجات العلمية والفكرية والفلسفية التي يتصدى لها صانعو الرأي والوعي من مثقفين ومفكرين جالوا بفكرهم العميق مناطق وتخوم الأفكار المرشدة والمصلحة والمؤهلة للعب دور ريادي يدفع بالإلهام والابتكار والخلق إلى آماد وآفاق رحبة يكون لها القدرة على صنع وعي مجتمعي عميق، ورسم استراتيجيات لخارطة طريق تصل بنا إلى ما نروم له من تطور فكري وعلمي وحضاري وإنساني، يكون قائداً لقفزات ووثبات عالية تضع بلادنا بما تملكه من موقع جيوسياسي مهم على عتبة الريادة العالمية التي نحن مؤهلون لها عن جدارة واستحقاق.

من هنا فإن الآمال والطموحات تعلو، وسقف التوقعات يكبر ويتاخم السماء؛ ونحن نرى هذا التحفيز وهذا الاحتفاء بالفكر والثقافة؛ وما تنظيم "ملتقى صوب الملاحق الثقافية" الذي نظمته أكاديمية الشعر العربي بدعم من هيئة الأدب والنشر والترجمة إلا دلالة رمزية على هذا الاحتفاء بالفكر ومنجزات العقل. فالملاحق التي تصدر عن الصحف المحلية أو المجلات على اختلاف أوقات صدورها هي الحاضن الأهم ومنطلق التغيير المنوط به بث هذا الفكر وصناعة الرأي الثقافي وصوغه وقيادته نحو آفاق إنسانية وثقافية تسهم في خلق وعي خلاق وحضاري، يخلق ويرسخ التنوير، ويسيّج المجتمع بكافة أطيافه، ويعزز منظومة القيم والجمال، ويكرس قيم التسامح والإيجابية والتصدي لغلواء الفكر المتشدد الكاره للحياة، في وقت نعيش في ظلال رؤية طموحة جعلت من جودة الحياة والثقافة نمط حياة.