في حراك الوعي بالذات قد يستخلِص الإنسان من خبراته الحسِّية تصوُّراتٍ يكون كلُّ تصوُّر منها دالَّا على رصيد من القناعات حول الأشياء، ثم تتدفق هذه التصوُّرات الذهنية في قضايا تُدخلِها بعضها في بعض، أو تفصلها بعضها عن بعض فيدخل الفكر من خلال لباس المبادئ والقوانين الخاصة التي ترسم سياقها تلك القناعات فيجري العقل على سننِها.

هنالك ما يُسمَّى عند بعض الفلاسفة بقوانين الفكر الثلاثة؛ وهي:

قانون الذاتية (أو الهوية) الذي يُعرف بمُقتضاه أن الشيء المُعيَّن يظلُّ مُحتفظًا بذاتيَّتِه وإن تعدَّدت السياقات التي يرِد فيها.. وقانون عدَم التناقُض الذي يُعرف بمُقتضاه؛ أن النَّقيضَين لا يجتمعان في شيءٍ واحد في لحظةٍ واحدة.. وقانون الثالث المرفوع الذي يُعرف بمُقتضاه أنَّ الشيء إما أن يتَّصِف بصفةٍ أو بنقيضها، ولا ثالث لهذَين الفرضَين.

وهنالك إلى جانب هذه القوانين الثلاثة ما يُسمَّى بالمقولات، وهي الصُّنوف الأولية التي لا تخرُج عنها جميع الأحكام العقلية التي يُصدِرها الإنسان على أنواع الأشياء حين ينسِب بعضها إلى بعض انتهى قولهم.

لذا فمجموع هذه العمليات الذهنية وتلون الأفكار والمقولات تعمل على بناء مجسم عقلي شديد يحبس الوعي والعاطفة في قالب من الحيرة أو إطار من الترواح النفسي، ويُخيَّل لبعضنا أن تميز الشخص بدهي في أن تجد مواطن التباين عند تحديد الرؤية.

ولولا هذا الاختلاف لاستحال علينا أن نصِف أيةَ فكرةٍ كائنة ما كانت بأنها ضرورة عقلية محتومة؛ إذ لا ضرورة هناك، ما دام الأمر كله يرتدُّ إلى فسيفساء يمكن جمعها.

مؤكد لا بدَّ له من شيءٍ آخر وراء هذه المحسوسات ليُنظِّمها ويُرتِّبها ويصِل بينها بحيث تُصبح معرفة معقولة يستطيع من خلالها التفاعل الفكري مع أي اختلال أو تعارض صوري..

الغاية هي الفكرة الواحدة التي تسهّل تحقيق الهوية النفسية للفرد كما يكنّها الوعي.. والفكرة هي الغاية الأخيرة التي تسهم في تفعيل التناغم أو التناقض في مسيرة الحياة..

المركب الحاصل في الواقع البشري يتأرجح بين ما يمكن أن تكسبه أو تخسره، لذا فالقوانين والأفكار والكلام أدوات تغمس الذات في مغبة التأمل وتسير بالنفس نحو مشاعر لينة ومعقدة حيث الأصوات حولنا ترمي بالعاطفة في مواقف غريبة يعزلها التصنيف عن فهمنا.

أن تفكر أي يكون لك معنى، فتفهم التناقض والنقائض، وتحلل الحدث، وتفسر السياق لتصل إلى هويتك الحقيقية المميزة عن الغير..

مسيرة الفكر عميقة جداً لدرجة الطفو حول الذات وسطحية لدرجة الغرق فلا يستطيع الشخص مواجهة هذا التداخل أو الغرابة بسبب فقدانه لقوانين الذات وعدم تحديد سماته الصريحة في تعاطيه مع ما يواجهه، واللغة تحيك الجهات الأربع للفكرة وتعدد أبعادها وتجمعها في مسار الوعي فيستطيع المرء من تقدير الوقائع الحاصلة واستدراك بعض الأمور.

ويبقى القول: هناك حالة فعلية يعيشها كل صاحب وعي تكون ما بين طبيعة العيش وواقعية الحياة وظروف التفكير المتسارعة فيكون رابحاً أو خاسراً..