تضطلع أرامكو السعودية بدور فريد ومحوري في مسيرة التحول المستقر والشامل في قطاع الطاقة بصفتها أحد أكبر منتجي النفط الخام في العالم، ومن بين الأقل من حيث كثافة الانبعاثات الكربونية المصاحبة لأعمال التنقيب والإنتاج، ويشمل هذا الدور حماية البيئة في المناطق التي تعمل فيها، مع تلبية احتياجات العالم المتنامية من الطاقة. ومنذ بداية المشوار قبل نحو 90 عامًا، كانت النزعة للاستكشاف في أرامكو السعودية وراء اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز في المملكة، بما في ذلك أكبر المكامن التقليدية في العالم، التي أسهمت منذ ذلك الحين في وضع الشركة في مصاف أكثر الشركات ربحية على مستوى العالم.

قيمة اقتصادية هائلة

أسهمت التكوينات الصخرية التي تظهر فوق سطح الأرض، والتي تُسمى النتوءات الصخرية، إسهامًا كبيرًا في قصة اكتشاف النفط في المملكة، حيث اهتدى الجيولوجي ماكس ستاينكي من خلالها إلى الأنظمة النفطية الخفية في المملكة نظرًا لما تبوح به من دلائل قوية تشير إلى الطبقات المختلفة الممتدة إلى أعماق الأرض.

وتُعد النتوءات الصخرية التي توجد غالبًا على التلال أو الجبال من المعالم البارزة التي تميز المناطق الصحراوية في المملكة، وجزءًا جوهريًا من إرثها الجيولوجي الغني، وفي العصر الحديث، تعتبر العديد من تلك النتوءات الصخرية علامات تشير إلى المكامن الجوفية للمواد الهيدروكربونية والمعادن، ولذلك فهي تتمتع بقيمة اقتصادية هائلة، وتنتشر تلك النتوءات أيضًا في المناطق الجبلية التي تحتضن موائل مهمة للعديد من فصائل النباتات والحيوانات المحلية مثل الثعلب العربي الأحمر.

وعلى مدى العقود الماضية وضعت أرامكو السعودية حماية البيئة في المناطق التي تعمل فيها على رأس أولوياتها، وتعكف الشركة حاليًا على إطلاق مبادرات جديدة لحماية النتوءات الصخرية.

خزانة أسرار صامتة

على قمة جبل أم الروس، أكبر الجبال بالقرب من مقر الشركة الرئيس في الظهران، يتفحص جيولوجيو أرامكو السعودية، التشكيلات الصخرية في الجبل، والتي تتكون من صخور طبقية تحتوي على أحافير متشعبة يصل عمرها إلى 50 مليون سنة. وقد تشكَّل هذا الجبل بسبب عوامل التعرية من رياح ومياه على مدى ملايين السنين، وهو من بين مواقع عدة تنكشف فيها أجزاء من الصخور، لتشكِّل نتوءًا يبرز على السطح، ولهذه النتوءات الصخرية أهمية تاريخية وقيمة علمية، وذلك لأنها تقدم معلومات في غاية الأهمية عن التكوينات الجيولوجية وأنواع الصخور وما مرَّت به الأرض من تغيُّرات. وتكتسب بعض هذه النتوءات الصخرية أهمية خاصة؛ لأنها تحتوي على معلومات رئيسة تساعد على فهم جيولوجيا المنطقة، وقد مكَّنت هذه المعلومات الجيولوجيين الأوائل من تحديد طبقات الصخور أسفل السطح ورسم خرائط لها، كما ساعدتهم في العثور على موارد المملكة الثمينة من النفط والغاز. وتُعد هذه النتوءات الصخرية في الوقت الحاضر أداة تعليمية لا غنى عنها لجيل المستقبل، بوصفها مرجعًا ومختبرًا طبيعيًا للطلاب وعلماء الجيولوجيا في مستهل مسيرتهم المهنية. ويواصل علماء أرامكو السعودية استخدام الثروة الهائلة من المعلومات التي توفرها النتوءات الصخرية لفهم باطن الأرض بشكل أفضل، كما يقومون بحفظ هذه المعلومات ودمجها مع معلومات أخرى باستخدام الوسائل والتقنيات الحديثة لمساعدة الشركة في تحقيق اكتشافات جديدة، وتطوير مواردها بطريقة مستدامة، ونظرًا لأهمية هذه الثروات الجيولوجية الهائلة، تسعى أرامكو السعودية جاهدة لحمايتها والمحافظة عليها لأجيال المستقبل. ووفقًا للجيولوجيين فإن المنطقة الشرقية كانت مغمورة بالمياه قبل ملايين السنين، وفي كل يوم يقضونه بين الجبال يجدون شيئًا جديدًا يروي قصة الماضي كأسنان أسماك القرش المتحجرة.

المحافظة على النتوءات الصخرية المهمة

وفي إطار مبادرة أُطلقت في أغسطس 2021م، تعكف الشركة على تكثيف الجهود الرامية لحماية هذه المعالم السطحية المميّزة الموجودة ضمن مناطق أعمالها، والمحافظة عليها لأهميتها العلمية والبيئية والتاريخية. وقدَّمت أرامكو السعودية، بالتعاون مع فريق فني يضم خبراء من مختلف إدارات الشركة أُعد خصيصًا لهذه الغاية، إسهامات كبيرة للمساعدة في حماية النتوءات الصخرية داخل كافة مناطق أعمالها وخارجها. ويتمثَّل الهدف الرئيس لهذا الفريق في المحافظة على المواقع الجيولوجية لغرض اكتشاف مواقع النتوءات الصخرية وحمايتها وإدارتها، ويشمل ذلك زيارة المواقع المختلفة لاكتشاف أماكن النتوءات الصخرية ورسم خرائط لها، والتأكد من أن السياسات وإجراءات العمل والأنظمة المعمول بها تضمن المحافظة على هذه النتوءات الصخرية، وتعزز الوعي بها وبالمعالم الجيولوجية الأخرى، وتُسهم في بلورة تصورات أدق بشأنها.

بيانات منقوشة على الصخر

وفي الوقت الراهن، تمكن علماء الجيولوجيا في أرامكو السعودية من تحديد وجمع بيانات جيولوجية رئيسة لما يزيد على 100 نتوء من هذه النتوءات الصخرية المهمة المنتشرة في مختلف مناطق أعمال الشركة.

واستخدم علماء الجيولوجيا، بالتعاون مع خبراء في المعلومات الجغرافية من دائرة الخدمات الهندسية، هذه البيانات الميدانية لإنشاء خرائط رقمية عالية الدقة لهذه النتوءات الصخرية. وهناك خطط قائمة لاستخدام طائرات مسيَّرة لجمع مزيد من البيانات التي يمكن استخدامها لإنشاء توائم رقمية تفاعلية للنتوءات الصخرية البارزة.

ولم يقتصر العمل على مناطق أعمال أرامكو السعودية فحسب، حيث قامت الشركة بفهرسة نحو 200 نتوء صخري إضافي مهم، وتحديد مواقعها الجغرافية في مختلف أنحاء المملكة، وقدَّمت هذه المعلومات إلى الجهات المعنية للإسهام في حماية هذه المواقع.

حماية ثروة الجيولوجيا

والبيئة والتاريخ

تُعد الجبال من المعالم البارزة التي تميِّز المناطق الصحراوية الجافة في المملكة، وهي جزء جوهري من الإرث الجيولوجي الذي تزخر به، وموئل من الموائل المهمة لأشكال الحياة النباتية والحيوانية في المملكة.

وقد أدت التغيرات في الطبقات الصخرية لجبال المملكة على مدى آلاف السنين إلى تكوين المكامن العملاقة التي تحتضن الموارد الهيدروكربونية، ومن هنا يمكن اعتبار هذه الجبال مصدرًا يمكن استقاء المعلومات منه حول التاريخ الجيولوجي للمنطقة، الذي يساعد خبراء الشركة على الارتقاء بهذه الموارد.

واعتاد أهل هذه الأرض في الماضي البعيد استخدام الجبال كعلامات يهتدون بها في أراضي المملكة، كما استخدمها حُماة الوطن كأبراج لمراقبة تحركات الأعداء المتأهبين للهجوم، وإلى وقت قريب والجيولوجيون الروَّاد ينظرون إلى الجبال بوصفها حلقات في سلسلة لغز جيولوجي أفضى حله إلى اكتشاف النفط والغاز في المملكة، الذي تعود بدايات قصته إلى عام 1938م بحفر الشركة لبئر الدمام رقم 7، حيث تدفق النفط من جوفه في حدث غيَّر مسار التاريخ، ووضع المملكة في صدارة قطاع الطاقة العالمي.

والواقع أن جبل أم الروس له دور مهم في قصة استكشاف النفط هذه، فأهميته، شأنه شأن عديد من الجبال في المملكة، لا تقتصر على كونه جزءًا مهمًا من الإرث الطبيعي الغني للمملكة فحسب، بل إنه يمثِّل أيضًا جزءًا مرتبطًا بهوية المملكة وتاريخها المعاصر، فالطبيعة الجيولوجية المميَّزة للنتوءات الصخرية، والجمال الطبيعي الساحر والتاريخ الغني لهذه الجبال، كلُّها عوامل تؤهلها لأن تصبح مواقع تعليمية ووجهة رائعة للسياحة الجيولوجية سواءً للمواطنين أو غيرهم.

ولحماية هذه المواقع داخل أرامكو السعودية، ورفع مستوى الوعي بها، ومساعدة الزوار على بلورة فهم أدق وإدراك أوضح لأهميتها، أطلقت الشركة حملة تتضمن وضع علامات تنظيمية وإعلامية على النتوءات الصخرية، بالإضافة إلى تعزيز الوعي بأهميتها بوصفها مواقع مهمة تكتنز إرثًا جيولوجيًّا.

تكوينات جيولوجية

عمرها 50 مليون سنة

أم الروس والدمام والدام، هي ثلاث طبقات أو تكوينات جيولوجية مختلفة ومحمية في منطقة الظهران، وقد تَشَكَّل تكوين أم الروس منذ نحو 50 مليون سنة عندما كانت المنطقة بأكملها مغمورة بمياه البحر قليلة العمق، الأمر الذي هيَّأ بيئة مثالية لتكوّن الرواسب الغنية بالكالسيوم التي تشكل أم الروس، ويعلو تكوين أم الروس تكوين الدمام، الذي يتميَّز بتحوله إلى رواسب بحرية أعمق تكونت منذ نحو 33 إلى 49 مليون سنة. ويظهر فوق تكويني أم الروس والدمام تكوين الدام، الذي انكشف في جبال أم الروس، والواقع على قمة قبة الدمام، ويحتوي تكوين الدام على ترسبات الستروماتوليت المحفوظة على نحو جيد عند قاعدته، والتي تُعد أول كائنات حية معقدة تظهر في تاريخ الأرض.