بعض المشاركين في المساحات يقدم نفسه بغير ما يحمله اسمه ووصفه، فتجد من يصف ذاته بالعاقل وهو مجنون، والمفكر وهو «سولفجي»، والأسد وهو أرنب، وعاشق الصدق وهو كذوب، ومن وضع آية كريمة وخالفها، ومن كتب عبارة فخمة وهو لا يفهمها فجاء بضدها، وكثير مثل ذلك..

منحت مساحات تويتر الأشخاص بمختلف شرائحهم صوتاً وقدرة على التعبير عن أنفسهم بحرية، وبطريقة منفتحة وانتقائية، حيث يتنقل المرء بخياراته الخاصة لينتقي مساحة يشارك فيها بما يجد فيه نفسه، ويحرص بعضهم أن تكون تجربته ممتعة وآمنة له ولغيره، وقد لا يهتم بعضهم بذلك، فيشارك بشكل فوضوي وعشوائي لا يبالي بما يمكن أن يقول أو يقدم، ولا يهتم بأن يكون لديه دراية تامة بأدبيات استخدام هذه الخاصية.

قد تجمع مساحة تويتر وتمزج بين الذين نعرفهم والغرباء، ونخالطهم شيئاً من التعريف ببعض تفاصيل حياتنا الشخصية والاجتماعية والمهنية في آنٍ واحد، لذا علينا أن نتنبه جيداً لما نتداوله في هذا المجتمع الافتراضي العشوائي.

في هذه المساحات تجتمع العقول بمختلف قناعاتها، والقلوب بكل ميولها، والأهواء بكافة اتجاهاتها، من هنا ننطلق في أفق من الإضاءات والتذكيرات والتنبيهات للمشاركة المعقولة والمأمولة والمقبولة غالباً.

  • هناك من يختبئ خلف معرف وهمي (لا يهم المبرر عندما يغلط أو يخطئ أو يسيء للغير) ما بين اسم كاذب أو صفة غائية أو كنية غريبة أو لقب مغاير، لذلك سيكون غالب ما يطرحه مثيراً للتساؤل والاستغراب والتكذيب، خصوصاً حين يتحدث أحدهم عن الأنا والشجاعة والجرأة و"المرجلة" وهو يختفي خلف اسم وهمي، وهذا يعد تناقضاً نفسياً كبيراً، فلا يملك الجرأة بإظهار اسمه ورسمه، ويتكلم بضراوة عن الجسارة والقوة والحكمة، هنا سيسقط في وحل الانطباع السيئ حوله، ويسيء لنفسه دونما يشعر، أما إذا كان رأياً عابراً لا قيمة له فلن يعتبره المستمع وسيتجاوزه.

  • لا يعتقد أحدهم أن المنطق والرشد سيحكمان في أحاديث المساحات، لأن الملاحظ أن انتصار الذات يطغى ويتفوق على جدال الحق ونقاش الوعي، خصوصاً فيما يتعلق بالأمور التي فيها تعصب وميول، مثل: الجانب السياسي أو الديني أو الرياضي، وستجد معظمهم يتعزز لرأيه ورغباته.

  • الكثير قد يشارك في بعض المساحات بشكل عاطفي وهو لا يستطيع الحديث عن موضوع المساحة، لذا ترك الأمر أفضل من المشاركة المخلة أو الضعيفة خصوصاً في مسائل مهمة ومجالات كبيرة.

  • في المساحات الرياضية يكون مستوى اللغط والثرثرة عالياً، لأنه مرتبط بميول تعصبية، وأحاسيس تنافسية، وانفعالات وجدانية، وارتباك عقلي خصوصاً بعد تعرض الفرق التي يميلون إليها لهزيمة أو إخفاق أو إشكالية.

  • المساحات مغرية وساحرة لبعض الضعفاء نفسياً (صناعة الشو)، حين يرون تزايد المتابعين بوفرة كبيرة، فتكون الرغبة في المزيد والمزيد من المتابعة، ثم يجدون أن هناك إمكانية لاستثمار حساباتهم بعد هذا التزايد بالإعلان وغيره.. وتكمن الإشكالية في أنهم سيلتزمون بنمط وسلوك تواصلي معين لضمان ارتفاع نسب المتابعة فيخرجون عن شخصيتهم الحقيقية ويتقمصون وجدانياً أدواراً ليست لهم، فإن رأى أن أسلوبهم -حتى لو كان كاذباً أو ناقماً متصنعاً أو مشخصناً- يجلب مزيداً من المتابعين، زاد وفاض وطغى من دون أن ينظر إلى أي أدبيات.

  • انغماس البعض في المساحات قد يهز الوازع الديني لديه، ويلغي العرف السائد، لأنه مهووس بما يقدمه، ويرى أن يحقق انتصارات تشبع ذاته ويستفيد، فلا يلاحظ البعض بعض المحظورات، مثل: الغيبة أو الاتهام أو السب أو التنابز أو الاستهزاء أو الحلف أو ترديد عبارات خارجة عن الذوق والدين.

  • قل خيراً أو اصمت، هذه حكمة قد يندر أن تجدها في مجتمع افتراضي مهووس بتقديم الأنا، وعاشق لإرضاء الذات، وستجد من يريد أن تستمتع له ولا يستمع إليك، ومن يحاورك ويقاطعك ويحمل عليك بلا مبرر خصوصاً أهل التعصب.

  • ستجد تناقضاً غريباً لدى أناس يحاولون المساهمة في العمل الخيري وقضاء حوائج الناس عبر استغلال موضوعات، خصوصاً رياضية، يدور فيها ما الله به عليم من الانتقائية والمحسوبية والشتم والتقليل والتنافر والغيبة والنميمة والكذب وبث معلومات مغلوطة وادعاءات وتعصب وكراهية، ثم تتم المطالبة بدعم العمل الخيري، والسياق هنا لا بد أن يكون مقبولاً وطيباً ورسمياً.

  • كل واحد يسهل عليه فتح مساحة وتحديد موضوع يرغب به، وينتظر الناس ليشاركوه هذا الموضوع بالطرح والنقاش، وستجد أن معظم هذه المساحات هي للوجود أكثر منها للفوائد الحقيقية، فلا محاور ولا تنظيم بل يسود التنظير وتطغى الثرثرة.. ولعل أهم إشكالية أن هناك مساحات تفتح وتتم فيها إساءة الدين، وتنتشر فيها الدعوات الضالة والإلحاد والتشكيك في الثوابت، لذا المراهنة فيها على الوعي مهمة.

  • التسلية والترفيه هدف من أهداف الوسائل الإعلامية والتواصلية، ولا ضير في وجود مساحات لتبادل الرأي والخبرات والحكايات والأنس بما لدى الآخر والتعارف، وهذا شيء يمثل جماليات المساحات إذا سادتها الأدبيات المعروفة بحفظ الخصوصية وعدم التجني أو الخطأ على الطرف الآخر أو التقليل من شأنه، كل ذلك يصب في مصلحة الذين لديهم وقت طويل يريدون إشغاله بما هو مفيد.

  • بعض المشاركين في المساحات يقدم نفسه بغير ما يحمله اسمه ووصفه، فتجد من يصف ذاته بالعاقل وهو مجنون، والمفكر وهو "سولفجي"، والأسد وهو أرنب، وعاشق الصدق وهو كذوب، ومن وضع آية كريمة وخالفها، ومن كتب عبارة فخمة وهو لا يفهمها فجاء بضدها، وكثير مثل ذلك.

    ويبقى القول: المساحات مجلس افتراضي وركن وهمي يجمع من يجمع على غير ميعاد، وتتباين الأغراض، وتختلف الغايات، وتتنوع الأهداف، وتتعدد الأهواء، لذا كل فرد خصيم نفسه، فبين دينه وأخلاقه وبين المكسب والخسارة سوف يضع قيمته.