أ. د. حمزة الطيار


المصالح العامة مقدمة على المصلحة الخاصة

>مراعاة عموم المصالح من أسس بناء الدول وقيام الحضارات؛ فإن الناس إذا اجتمعوا نشأت لهم مصالح ضرورية يشتركون جميعاً في مسيس الحاجة إليها، وتتكاثر بكثرتهم، وكثير من تلك المصالح يتقرر لغرض تنظيم مُعايشتهم وتقنين شؤونهم.. المصلحة بمعناها الأعم عبارة عن جلب منفعةٍ أو دفع مضرة، وفِكرةُ تعاطي جلبِ المنافع والسعيِ...

التمييز بين الخير والشر

>إن الخيرات لا بد لها من قهر النفس وتحمُّلِ المشاقِّ التي يستلزمها تحصيلُ النافعِ والمحافظة عليه، ولا يخلو الخير من ذلك، أما الشر فكثيرٌ منه سهل المنال وما يحتاج منه إلى كدٍّ وتحصيلٍ فلا يخلو من تضمُّنِهِ أموراً تصبو إليها النفوس بطبعها.. وهب الله للإنسان من قابلية التمييز ما من شأنه أن يُفرِّق به بين الخ...

الأمن الفكري

>من أكثر مقومات العصر حساسيةً وأهميةً الوطن بما يشكله هذا الاسم الكبير من مجموعة المقومات التي تُشكِّلُ الفَرْقَ بين الوجود والعدم، وبين العزةِ والهوان؛ ولهذا يُعدُّ من صميم الأمن الفكري الإخلاص له والانكفاف عن كل ما يُسيءُ إليه أو يضرُّ بأمنه ومقدراته.. لن يأتي اليوم الذي يرعوي فيه جميع المبطلين، ولن تطا...

نُظَّارُ الوقفِ بين الالتزام والتجاوز

>الصراعات التي تقع بين النظار إعصار يعصف بالإنصاف، فتطير بعض حقوق الموظفين، والموقوف عليهم أدراج الرياح، ويتجسد في هذه الصراعات الإخلال بالأمانة؛ إذْ هي عبارةٌ عن تقديم المتخاصمين مصالحهم الخاصة على سير العمل كما ينبغي.. تُقاسُ جدوى المنافع بديمومتها، ومن محاسن الشريعة المطهرة ومراعاتها مصالحَ الدارين ترغ...

التأثر

>يظل الإنسان عرضة للتأثر المحذور، فمن الواجب عليه أن يكون حريصاً على تجنبه، مستعيناً بالله على ذلك، ولا يسوغ له أن يتّكل على ما حصل له من سمت الصلاح، وطمأنينة النفس بالبر، فهذا خيرٌ لا يُؤمنُ أن يلمَّ بصاحبه طائفٌ من الشيطان.. لم يزل الخير والشر في شدٍّ وجذب، كل يريد له من يتبناه من الناس أن يظهر، وتك...

معايير القبول والرد

>القبول والرد حكمان لا بد لهما من مستند يتقرران به، وبناء على هذا فهما متوقفان على وجود عارف قادر على النظر في الدليل المفضي إلى القبول أو الرد، وكون مجال القبول أو الرد مما لذلك العارف صلاحية الكلام فيه.. يستحق الشيء أن يُقابَل بالقَبول؛ لاشتماله على مصلحة دينية أو دنيوية معتبرة شرعاً، ولجريانه على الق...

تحصيل ما الحكمةُ تركُهُ

>عدم التورط في العداوات المفتعلة من العافية التي يُفترضُ أن يحرص عليها كل إنسان، واعتياد المواجهات والصراع لأدنى سببٍ بلاءٌ لا يجدر بالمعافى أن يُقدم عليه، بل الحكمة أن يتخلص منه من ابتلي به بكل ما أمكنه من جهود.. للإنسان داران لا مهرب له عنهما، دارُ عبورٍ وتزوُّدٍ وهي الدنيا، ودارُ مصيرٍ وقرارٍ وهي ا...

تخطي الأهم إلى المهم

>من عادة أهل الأهواء والبدع تخطِّي الأهم إلى المهم سواء كان المتخَطَّى إليه مهماً مرجوحاً في الواقع، أو أنه ليس مهماً أصلاً، لكنهم توهموه كذلك، وفي هذا محادَّة للشرع، ومن تمادى فيه وطبَّقه في الأمور العظيمة المتعلقة بالاعتقادات والإمامة وأمن المجتمع أوصله إلى البدع الغليظة الشائنة.. تفاوت درجات الأعمال ...

المعرفة تتحدى المستغل

>قد يساعد كثيرٌ من الناس المستغل من حيث لا يشعرون، وذلك بنزع الثقة من الحقيقة التي استغلها المتلاعب، وظهر على يديه زيف النتائج، والزهد في معالي الأمور وأنواع العلوم والمهارات بسبب إخفاقات من يتعاطاها لمآربه ما هو إلا مساعدة لذلك المتلاعب؛ لأنه اعترافٌ بأنه من أهل هذا المجال وأنه مارسه كما ينبغي.. العاقل م...

أقل اللوم إن لم تكن فارس الميدان

>من أسباب تطويل المتطفل للسانه في لوم العاملين، ثقته بخيالاته وتصوراته، بحيث يظن أن رؤيته المبنية على رجم الغيب والمجازفة أدق من رؤية من يُباشر المهمة، ويبذل فيها طاقته، وقد تكون هذه الثقة قناعة له بغض النظر عن كونها زائفة.. يحملُ حبُّ الذات كثيراً من الناس على استصغارِ كل دورٍ لم يتولوه، وكثرة النقد لك...

الحياة الزوجية

>التعايش بين الناس مظنةُ الاحتكاك، واطلاعُ كل طرفٍ على بعض جوانب الضعف عند الطرف الآخر، وسببٌ لتقاطع طرق التفكير والاختيار بين الأطراف، ولتعارض بعض الرغبات والاهتمامات، ومن شأن ذلك أن يُثير شيئاً من الخلافات والمشادة.. الإنسانُ مفطورٌ على الحاجة إلى أمورٍ هي من قوام حياته، منها الضروري والحاجي والتكميل...

الغرور والتغرير

>الغرور يبدأ بهاجس عُجْبِ الإنسان بإنجازه أو بمقوماته، فيتمادى في ذلك مدعياً الفضل لنفسه، والعُجْبُ كغيره من أنواع الشعور يعتري أغلب الناسِ، لكن الموفق منهم لا يسترسل فيه.. يسهل على الإنسان أن يتعاظم فيتضخّم شأنه في عينه، وأن يرى لنفسه من المحاسن ما يحلو له أن يتصف به، فيكون أدقها وأيسرها ماثلاً في ذهنه، ...

ترك الاستقصاء

>قال بعضهم: «التغافل عن ذنوب الناس وعيوبهم من أخلاق الكرام، والتهاون بمفاضحتهم من أخلاق اللئام»، ولو احتاج المنصف إلى أن يُكاشف صاحبه بملحوظةٍ له عليه تتعلق بتقصيرٍ حصل منه بالفعل، فإنما الأسلوب الذي ينتهجه أن يُبديَ له من ذلك ما تمسُّ إليه الحاجة.. من الناس من يذهب بعيداً في تخطي القدر المأذون فيه بد...

حماية المعنويات

>ليس هناك وسيلةٌ تُبيحُ للإنسان النيل من معنويات غيره بلا سندٍ شرعي ونظامي، والسند الشرعي في ذلك إنما يتوفر للسلطان ومن يُنيبه، فلهم تطبيق العقوبة المتضمنة لذلك؛ زجراً للمذنب وتنكيلاً به وردعاً لغيره إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما يُشرعُ التشهير بأهل البدع والأهواء.. كرَّم الله تعالى بني آدم بكراماتٍ تُحق...

روح العمل

>إذا كانت روح العمل كروح الحي يحيا بمقارنتها له، ويكون كالميت إذا لم تقارنه أو قارنته ثم فارقته، فلا بد من التمييز بين العمل الحيِّ والنافق، ومن لم يُميز بينهما اغترَّ بكثيرٍ من البهرج الذي تعجُّ به الحياة.. لكل عملٍ روحه التي تسري فيه سريان الروح في البدن، وبحالها يكون اعتبار حال العمل، فإن كانت من ج...

الثبات على الهدف

>الثبات على العمل والتركيز على نوع من المعارف والمحافظة على العلاقات أمورٌ مطلوبةٌ لا تتعارض مع تنويعها وتوسيع آفاقها، فكم من محافظٍ على مُهمٍّ من تلك الأمور معتنٍ بمهمات أخرى، لم تحجب عنايته بهذا عنايتَه بتلك.. ما من مأربٍ في المعاش والمعاد إلا ويتوقف الوصول إلى نتائجه المرجوة على تحمُّلِ طالبه لمشقة...

استثقال سلوك الجادة

>مما يُخَفِّف به تارك الجادة أعباءَ الشعور بالتِّيه على نفسه التعلُّلُ بالتقليل من شأن مخالفه، وذلك إما بإضفاء أوصاف القصور المعرفي عليه كاتهامه بالجهل وخفة العقل كما فعل المنافقون بالمسلمين.. المشي على جادَّة السداد صعب، والسبق فيها أصعب، وكثير من الموفَّقين قصارى أحدهم أن يُسدِّدَ في سلوكها ويقارب، وق...

التوقِّي من المكروه

>من القواعد التي يجب أن يجري عليها التوقي الخضوع لقاعدة ترتيب الأولويات، وتقتضي تلك القاعدة توقي الضرر الأكبر بارتكاب الأهون، وهذا هو مضمون القاعدة الشرعية المشهورة (ارتكاب أخف الضررين).. توقي المحذورات والاحتراز عن المخاطر عادةٌ حسنةٌ، لا يلتزمها على معيارها الصحيح إلا من رُزق حسن تقدير الأمور والنظر إلي...

دلوني على قبرها

>--الإمكانات التي تُمكِّن صاحبها مما لا يسع كثيراً من الناس - سواء كانت إمكانات تتعلق بالمعارف أو الجاه أو المال - فرصة عظيمة لأن يُسخِّرَها من أُوتيَها لدفع الشرور عن المجتمع بجميع أصنافها، مع احتساب الأجر في ذلك.. الدنيا دار عمل وفرصة لمن أراد أن يترك خلفه أثراً حسناً، وقد نوَّع الله العمل الصالح وجعله...

يوم الوطن العزيز

>الوطن العزيز الذي يعيش فيه الإنسان بكرامة وصيانة جزء من كرامة كل مواطنٍ عاقلٍ، فيغار عليه ويصونه كما يصون كرامته، ويراعي مصلحته قبل مصلحته الخاصة؛ لإدراكه أن مصلحة الوطن إذا تحققت فستحقق مصلحة كل مواطن، وإذا تضررت فستتضرر مصالح الجميع.. الدولة الآمنة المطمئنة هبةٌ ربانيةٌ لمواطنيها، وحقٌّ على من بوأه ...

الأقسام العلمية بين الإبقاء والإلغاء

>إنّ التغيير والتجديد ينبغي أن يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً، وألا يُلتفت في ذلك إلى الرغبات والأهواء الشخصية، التي تقوم على العاطفة والتعصب، والاتهام بالتخوين والمؤامرة، وأن القرار بعد التأكد من سلامته يفتقر إلى شجاعةٍ وقوةٍ وعزمٍ وحزمٍ.. وسائل الوصول إلى المقاصد على اختلاف أنواعها؛ لم تُوضع لتكون تفاصيل...

الاجتزاء وإهدار الحقيقة

>من الاجتزاء الخطير اجتزاء تقويم جدوى الأعمال والمساعي الحيوية من تعلمٍ وعملٍ وتكوين أسرةٍ، فبعض الناس يُحجمُ عن بعض هذه الأمور ونحوها بمجرد أن يراه محفوفاً بالمصاعب أو محتملاً لبعض الخسارات، أو محتاجاً إلى تحمُّل بعض الحزازات.. إنما تظهر حقائق الأمور وصفات الناس وأحوالهم وما يستحقون من رفعٍ أو وضعٍ أو م...

البحوث العلمية بين المسموح والممنوع

>لا ينبغي للجهات المعنية باستقبال البحوث العلمية وقبولها والإشراف عليها أن تسمح بأن تضخَّ أبحاثاً مكرورة في الواقع وإن ادعى مقدمها عكس ذلك، فالبحوث القليلة الجدوى تضع من قيمة الجامعة، وتحكم بعدم جدوى بقاء القسم العلمي.. للحضارة بنيانٌ لا يُحدُّ له سقفٌ، ولا يتقدّرُ بمساحةٍ نحصره؛ لأنه بُنيانٌ يُرادُ له أن...

لا تغضب

>من زار عنابر السجون وجد أنها عامرةٌ بأناسٍ واقعين في ورطات فادحة لم يُخططوا لها مسبقاً، ولم يسلكوا في حياتهم السابقة النهج المنفلت المفضي إلى ارتكاب أمثالها، ولكنهم وقعوا فيها فُجاءةً لغضبةٍ لم يستطيعوا كبح جماحها، فتصرفوا كما تُملي عليهم غضبتهم في لحظاتٍ سترت العقل فيها غاشيةُ الانفعال.. تحكيم الإنسان ...

الأقسام العلمية بين النظام والفساد

>مما تجب الدقة فيه ضمان بقاء قرار القسم وتوصيته التي صَدَرَتْ وفق النظام دون أن تمتد إليها يدُ التغيير والتحريف؛ وذلك لأن القرار خلاصة جهد الأعضاء وأحكامهم التي يُسألون عنها أمام الله تعالى ثم أمام النظام، والتصرف فيها من قبل غيرهم لا يسوغ بأي شكلٍ من الأشكال.. لمخرجات الدراسات العليا أهمية بالغة؛ لأ...

حسن الاستماع

>الاستماع الحسن مفيدٌ في تسيير علاقات الناس وأمورهم، فمن أخذ نفسه بأن يُحسن الاستماع إلى الناس تفهَّم عنهم كثيراً من كلماتهم، وتفادى ما لا جدوى منه من الشدِّ والجذبِ، ومن حُسن الاستماع حمل الكلام على أحسن المحامل التي يحتملها، والنأي عن إساءة تأويله، ومراجعة المتكلم في مغزى كلامه قبل أن تُبنى عليه المواقف....

الإصرار على الخطأ

خُلق الإنسان ضعيفاً، ويتجلى ضعفه في كثير من المظاهر منها كونه عُرضةً للخطأ وجموح النفس به حتى يتجاوز حدود الحق، ولم تقع العصمة من ذلك إلا لمن عصمه الله تعالى كأنبيائه عليهم الصلاة والسلام، أما غيرهم من بني آدم فما منهم من أحد يصح أن تدعى له العصمة من أن يتلبس بشيء من الهفوات، على تفاوت شديد بينهم في ذلك، ف...

دروس المتاعب

>حريٌّ بمن ذاق النصَب أن يشكر نعمة الراحة إذا هي عادت إليه، وأن يحرص على المحافظة عليها ويضع الاحتياطات اللازمة لعدم التفريط فيها؛ فمن اللائق احتياط الإنسان لصحته بعد التعرض للوعكات الصحية، وسيره على منهج الرشد في صرف أمواله إذا آل به سوء التدبير.. الإنسان عرضة لأن تتعاقب عليه ظروف مختلفة يرتاح لبعضها، ...

المجال واسع

>لاتساع مجال العمل والإنجاز وانفساح آفاق المعرفة لا ينبغي أن يحكم الإنسانُ على نفسه بالإخفاق؛ لأن باباً معيناً أُوصد أمامه، بل عليه قرع الأبواب الأخرى، فرب محروم من معرفة معينة مفتوح عليه في أخرى، وربّ من قُدِر عليه رزقُه في بابٍ، وسِّع عليه في أبواب أخرى.. خلق الله الإنسان ليعبده وحده لا شريك له، واستعم...

موسم الحج كفاءة وإخلاص

>هنيئاً لقيادتنا المباركة ما حباها الله تعالى من الخصوصية العظيمة بأن أناط بها هذه المهمة النبيلة الثقيلة، ثم أعانها على تحملها بأتمِّ وجهٍ وأسدِّ طريقة، فمن نظر في تكامل جهود الجهات الفاعلة في الحج وتباريها في إنجاز كل جهةٍ ما عليها من المسؤوليات علم أن هذا أمرٌ مُعانٌ عليه مُجتهدٌ فيه مُيسرٌ بتيسير الله ...